سورة المؤمنون - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


وقوله: {أولئك يسارعون في الخيرات} أي يبادرون إلى الأعمال الصالحة {وهم لها سابقون} أي إليها وقال ابن عباس سبقت لهم من الله السعادة وقيل سبقوا الأمم إلى الخيرات. قوله عز وجل: {ولا نكلف نفساً إلا وسعها} أي طاقتها من الأعمال، فمن لم يستطع القيام فليصل قاعداً ومن لم يستطع الصوم فليفظر {ولدينا كتاب} هو اللوح المحفوظ {ينطق بالحق} أي يبين الصدق والمعنى قد أثبتنا عمل كل عامل في اللوح المحفوظ فهو ينطق به ويبينه وقيل هو كتاب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة {وهم لا يظلمون} أي لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم ثم ذكر الكفار فقال تعالى: {بل قلوبهم في غمرة} أي غفلة وجهالة {من هذا} يعني القرآن {ولهم أعمال} أي للكفار أعمال خبيثة من المعاصي والخطايا محكومة عليهم {من دون ذلك} يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله في قوله: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} {هم} يعني الكفار {لها} أي لتلك الأعمال الخبيثة {عاملون} أي لا بد لهم من أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم في الأزل من الشقاوة {حتى إذا أخذنا مترفيهم} أي رؤساءهم وأغنياءهم {بالعذاب} قال ابن عباس: هو السيف يوم بدر وقيل هو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف» {إذا هم يجأرون} أي يصيحون ويستغيثون ويجزعون {لا تجأروا اليوم} يعني لا تجزعوا ولا تضجوا اليوم {إنكم منا لا تنصرون} يعني لا تمنعون منا ولا ينفعكم تضرعكم {قد كانت آياتي تتلى عليكم} يعني القرآن {فكنتم على أعقابكم تنكصون} يعني ترجعون القهقرى وتتأخرون عن الإيمان {مستكبرين} قال ابن عباس: أي بالبيت الحرام كناية عن غير مذكور أي مستعظمين بالبيت وذلك أنهم كانوا يقولون نحن أهل حرم الله وجيران بيته فلا يظهر علينا أحد ولا نخاف أحداً فيأمنون فيه وسائر الناس في الخوف. وقيل مستكبرين به أي بالقرآن فلم يؤمنوا به والقول الأول أظهر {سامراً} يعني أنهم يسمرون بالليل حول البيت وكان عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحراً أو شعراً ونحو ذلك من القول فيه وفي النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو قوله: {تهجرون} من الإهجار وهو الإفحاش في القول وقيل معنى تهجرون تعرضون عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن الإيمان به وبالقرآن وقيل هو من الهجر وهو القول القبيح أي تهذبون وتقولون ما لا تعلمون {أفلم يدبروا القول} يعني أفلم يتدبروا ما جاءهم من القرآن فيعتبرون بما فيه من الدلالات الواضحة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم {أم جاءهم مالم يأت آباءهم الأولين} يعني فأنكروا يريد إنا قد بعثنا من قبلهم رسلاً إلى قومهم فكذلك بعثنا محمداً صلى الله عليه وسلم {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون} قال ابن عباس: أليس قد عرفوا محمداً صلّى الله عليه وسلم صغيراً وكبيراً وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته ووفاءه بالعهود وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعد ما عرفوه بالصدق والأمانة {أم يقولون به جنة} أي جنون وليس هو كذلك {بل جاءهم بالحق} بالصدق والقول الذي لا تخفى صحته وحسنه على عاقل {وأكثرهم للحق كارهون}.
قوله عز وجل: {ولو اتبع الحق أهواءهم} قيل الحق هو الله تعالى والمعنى ولو اتبع الله مرادهم فيما يفعل. وقيل: لو سمى لنفسه شريكاً وولداً كما يقولون وقيل: الحق هو القرآن أي لو نزل القرآن بما يحبون وما يعتقدون {لفسدت السموات والأرض ومن فيهن} أي لفسد العالم {بل أتيناهم بذكرهم} قال ابن عباس بما فيه شرفهم وفخرهم وهو القرآن {فهم عن ذكرهم} أي شرفهم {معرضون}.


{أم تسألهم} أي على ما جئتهم به {خرجاً} أي أجراً وجعلاً {فخراج ربك خير} أي ما يعطيك الله من رزقه وثوابه خير {وهو خير الرازقين} تقدم تفسيره {وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم} أي إلى دين الإسلام {وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط} أي عن دين الحق {لناكبون} أي لعادلون عنه ومائلون {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر} أي قحط وجدوبة {للجوا} أي لتمادوا {في طغيانهم يعمهون} أي لم ينزعوا عنه {ولقد أخذناهم بالعذاب} وذلك أنّ النبيّ دعا على قريش أن يجعل الله عليهم سنين كسني يوسف فأصابهم القحط. فجاء أبو سفيان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقال بلى فقال: إنهم قد أكلوا القد والعظام وشكا إليه الضر فادع الله أن يكشف عنا هذا القحط فدعا فكشف عنهم فأنزل الله هذه الآية: {فما استكانوا لربهم} ما خضعوا وما ذلوا لربهم {وما يتضرعون} أي لم يتضرعوا إلى ربهم بل مضوا على تمردهم {حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد} قال ابن عباس يعني القتل يوم بدر وقيل الموت وقيل هو قيام الساعة {إذا هم فيه مبلسون} أي آيسون من كل خير. قوله عز وجل: {وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة} أي لتسمعوا بها وتبصروا وتعقلوا {قليلاً ما تشكرون} أي لم تشكروا هذه النعم {وهو الذي ذرأكم في الأرض} أي خلقكم {وإليه تحشرون} أي تبعثون {وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار} أي تدبير الليل والنهار في الزيادة والنقصان وقيل جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض {أفلا تعقلون} أي ما ترون من صنعه فتعتبروا {بل قالوا مثل ما قال الأولون} أي كذبوا كما كذب الأولون، وقيل معناه أنكروا البعث مثل ما أنكر الأولون مع وضوح الأدلة {قالوا أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون} أي لمحشورون قالوا ذلك على طريق الإنكار والتعجب {لقد وعدنا نحن} أي هذا الوعد {وآباؤنا هذا من قبل} أي وعد آباؤنا قوم ذكروا أنهم رسل الله فلم نر له حقيقة {إن هذا إلاّ أساطير الأولين} أي أكاذيب الأولين. قوله تعالى: {قل} أي يا محمد لأهل مكة {لمن الأرض ومن فيها} من الخلق {إن كنتم تعلمون} أي خالقها ومالكها {سيقولون لله} أي لا بد لهم من ذلك لأنهم يقرون أنها مخلوقة لله {قل} أي قل لهم يا محمد إذا أقروا بذلك {أفلا تذكرون} أي فتعلموا أن من قدر على خلق الأرض ومن فيها ابتداء يقدر على إحيائهم بعد الموت {قل رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون} أي عبادة غيره وقيل معناه أفلا تحذرون عقابه {قل من بيده ملكوت كل شيء} أي ملك كل شيء {وهو يجير} أي يؤمن من يشاء {ولا يجار عليه} أي لا يؤمن من أخافه الله وقيل يمنع هو من يشاء من السوء ولا يمتنع منه من أراده بسوء {إن كنتم تعلمون} أي فأجيبوا.


{سيقولون لله قل فأنى تسحرون} أي فأنّى تخدعون وتصرفون عن توحيده وطاعته وكيف يخيل لكم الحق باطلاً {بل أتيناهم بالحق} أي بالصدق {وإنهم لكاذبون} أي فيما يدعون من الشريك والولد {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله} أي من شريك {إذاً لذهب كل إله بما خلق} أي لانفرد كل واحد من الآلهة بخلقه الذي خلقه ولم يرض أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره ومنع كل إله الآخر عن الاستيلاء على ما خلقه هو {ولعلا بعضهم على بعض} أي طلب بعضه مغالبة بعض كفعل ملوك الدنيا فيما بينهم وإذا كان كذلك فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شيء ويقدر على كل شيء ثم نزه نفسه تعالى فقال {سبحان الله عمّا يصفون} أي من إثبات الولد والشريك {عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون} أي تعظم من أن يوصف بما لا يليق به. قوله عز وجل: {قل رب} أي يا رب {إما تريني ما يوعدون} أي ما وعدتهم من العذاب {رب} أي يا رب {فلا تجعلني في القوم الظالمين} أي تهلكني بهلاكهم {وإنا على أن نريك ما نعدهم} أي من العذاب {لقادرون ادفع بالتي هي أحسن} يعني بالخلة التي هي أحسن وهي الصفح والإعراض والصبر {السيئة} يعني أذاهم أمر بالصبر على أذى المشركين والكف عن المقاتلة ثم نسخها الله بآية السيف {نحن أعلم بما يصفون} أي يكذبون ويقولون من الشرك.
قوله عز وجل: {وقل رب أعوذ بك} أي أمتنع وأعتصم بك {من همزات الشياطين} قال ابن عباس نزغاتهم وقيل وساوسهم وقيل نفخهم ونفثهم وقيل دفعهم بالإغواء إلى المعاصي {وأعوذ بك رب أن يحضرون} أي من شيء من أموري وإنما ذكر الحضور لأن الشيطان إذا حضره يوسوس له عن جبير بن مطعم أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال عمر ولا أدري أي صلاة هي قال: «الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً ثلاثاً وسبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه. قال نفثه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموتة» أخرجه أبو داود وقد جاء تفسير هذه الألفاظ في متن الحديث وتزيده إيضاحاً قوله نفثه الشعر أي لأن الشعر تخرج من القلب فيلفظ به اللسان وينفثه كما ينفث الريق. قوله ونفخه الكبر وذلك أن المتكبر ينتفخ ويتعاظم ويجمع نفسه فيحتاج إلى أن ينفخ. وقوله وهمزه الموتة الموتة الجنون لأنه المجنون ينخسه الشيطان ثم أخبر الله عزّ وجلّ أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت فقال تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون} قيل المراد به الله وهو على عادة العرب فإنهم يخاطبون الواحد بلفظ الجمع على وجه التعظيم.
وقيل هذا خطاب مع الملائكة الذي يقبضون روحه فعلى هذا يكون معناه أن استغاث بالله أولاً ثم رجع إلى مسألة الملائكة الرجوع إلى الدنيا. وقيل ذكر الرب للقسم فكأنه قال عند المعاينة بحق الله ارجعون {لعلي أعمل صالحاً فيما تركت} أي ضيعت وقيل تركت أي منعت وقيل خلفت من التركة أو المعنى أقول لا إله إلا الله وأعمل بطاعته فيدخل فيه الأعمال البدنية والمالية قال قتادة ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله فرحم الله أمراً عمل فيما تمناه الكافر إذ رأى العذاب {كلا} كلمة ردع وزجر أي لا يرجع إليها {إنها} يعني مسألته الرجعة {كلمة هو قائلها} أي لا ينالها {ومن ورائهم برزخ} أي من أمامهم ومن بين أيديهم حاجز {إلى يوم يبعثون} معناه أن بينهم وبين الرجعة حجاباً ومانعاً عن الرجوع وهو الموت وليس المعنى أنهم يرجعون يوم البعث وإنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة. قوله تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم} قال ابن عباس إنها النفخة الأولى في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وعن ابن مسعود أنها النفخة الثانية قال: يؤخذ بيد العبد والأمَة يوم القيامة فينصب على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادي منادٍ هذا فلان ابن فلان فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه فيأخذ منه ثم قرأ ابن مسعود {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} وفي رواية عن ابن عباس أنها النفخة الثانية فلا أنساب بينهم يعني لا يتفاخرون بالأنساب يومئذٍ كما كانوا يتفاخرون في الدنيا ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا من أنت ومن أي قبيلة أنت ولم يرد أن الأنساب تنقطع. فإن قلت قد قال ها هنا ولا يتساءلون وقال في موضع آخر وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قلت قال ابن عباس إن للقيامة أحوالاً ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون.

1 | 2 | 3 | 4